الجيل الجديد أقل سعادة والتكنولوجيا في قفص الاتهام!
جيلاً بعد جيل، تبرز سمات عامّة ومواصفات مشتركة، أو مؤثرات تشمل فئات بعينها، وكلّ واحدة بحسب تصنيفها! وهنا، نتكلّم عن فئات عمريّة شبابية، نقارنها بذات الفئة من جيل يمكن أن نحسبه أسبق اعتماداً على أنّه أكبر سنّاً، وكيف كان تأثير التكنولوجيا على الصحة النفسية لكل جيل منها. بدايةً نتطرّق إلى الخبر، ثم نخوض قليلاً في تفاصيل أخرى، أو فضفضات واقعيّة لما نعاينه جميعاً في عصرنا الحالي.
تأثير التكنولوجيا على حياتنا وتفاصيل الخبر
بحسب تقرير السعادة العالمي لعامنا الحالي 2024، فإنّ الشباب حالياً أقل سعادة من الأجيال الأكبر سنّاً، حيث أرجع التقرير الذي نشرته صحيفة “الغارديان” والذي يعتبر مقياساً دورياً للرفاهية في 140 دولة بالاعتماد على بيانات مركز أبحاث الرفاهية بجامعة أكسفورد ومؤسسة غالوب وهيئات عالميّة متعدّدة، وظهرت نسب مقلقة لانخفاض سعادة من هم في سن الشباب حالياً، وأصبح جلياً فرق هذه النسبة بينهم وبين من هم أكبر سنّاً.
نسبة السعادة ودور التكنولوجيا في التواصل
ومع أنّ التقرير لم يشر بشكل مباشر إلى تأثير التواصل السّهل وانعدام الخصوصيّة تقريباً، وتأثير استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مفرط، إلّا أنّ العديد من الخبراء والمهتمّين أشاروا إلى أنّ “الانفصال عن الواقع” الذي يعيشه الشباب الأصغر سنّاً في أيّامنا الحالية، له تأثير مباشر على مستويات السعادة لديهم، إلى جانب الكثير من العوامل الأخرى بالطبع، ومنها الحروب والنزاعات التي أصبحت منتشرة في كلّ مكان، وسهولة وصول الأخبار والصور والفيديوهات العنيفة إلى فئات صغيرة السّن، ممّا يؤثر أيضاً على صحتهم النفسيّة بشكل مباشر، الأمر الذي يصنّف على أنه آثار سلبية للتكنولوجيا.
تحليلٌ عام لتأثير التكنولوجيا على الصحة النفسية
رحلة التكنولوجيا: من طين الطفولة إلى برودة المشاعر
كان هناك زمنٌ لم يكن فيه العالم يدور حول الشاشات والأجهزة الذّكية، زمنٌ كانت فيه اللحظات الممتعة تتجسّد في لعبة بسيطة في فناء المنزل أو استكشاف الأماكن البريّة بالقرب من المدينة. كانت الأيام مليئةً بالمغامرات والصداقات التي تُبنى بين أصدقاء الطفولة، والتّفاعلات البسيطة التي تنمّي مشاعر الانتماء والحميميّة، وكان هذا كلّه قبل دوّامة تأثير التكنولوجيا على الأطفال!
ولكن بدأت تتغير الأمور ببطء مع دخول التكنولوجيا إلى حياتنا، حيث لم يعد اللّعب في الفناء بالنسبة للأطفال مثيراً كما كان في الماضي، بل أصبحت الشاشات و “الحياة الرّقميّة” هي المركز الجديد لجذب انتباههم. بدأوا يقضون ساعات طويلة مستسلمين للعوالم الافتراضية، ناسين أو متناسين العالم المحيط بهم.
تأثير متزايد وآثار مباشرة
ومع تزايد هذا التأثير، أصبحت نتائج تأثير التكنولوجيا على الأطفال أكثر وضوحاً، وبدأت العلاقات الاجتماعية تتغير أيضاً. لم يعد اللقاء الشخصي هو السبيل الوحيد لبناء الصداقات، بل أصبح التواصل الافتراضي هو الخيار الأوّل. وأصبح ابتعاد الأطفال عن الّلعب الجماعي في الهواء الطلق سمة عامّة، ممّا يعني تفويت الفرصة على خوض تجارب العالم الحقيقي والتفاعل مع أقرانهم بشكل طبيعي. وهكذا، مع مرور الوقت، بدأت الاهتمامات تتغير تدريجياً، ولم تعد المشاعر الدافئة والاندفاعات العاطفية تملأ حياتهم كما كانت في الماضي. بدأوا يشعرون بالبرودة، كما لو أنهم يعيشون في عالم متجمد حيث يغلفهم الانعزال والانفصال عن العالم الخارجي.
تأثير التكنولوجيا على الصحة النفسية والوصول السّهل!
إن عنوان تأثير التكنولوجيا على الصحة النفسية مخيف حقاً، حتى في تفسيراته الأكثر تفاؤلاً، وفي هذا القسم، نتطرّق إلى دور التكنولوجيا في التواصل، التي جعلته متاحاً كلّ الوقت وبأبسط الطرق، لا تتعدى ضغطة زر. وتطبيقاً لمبدأ “كلّ سهل يُمل” أصبح لدى الشباب الأصغر سنّاً شبه إشباع من التّواصل، ولم يعد للقرب ممّن يحبون معنىً كالسابق، حيث كان الجيل الأكبر سنّاً “يعاني” للحصول على المعلومة، أو للوصول إلى من يحبّون، وكان له حقاً معنى أكبر وتأثيراً أكثر عاطفيّة. حقيقةً، كلّ ما سبق، وكل ما خطر في بالك عزيز القارىء من ذكرياتٍ إن كنت من الجيل الذي نعنيه “الأكبر سنّاً، نجد أنّه يزيد من طول قائمة التّهم الموجّهة إلى التكنولوجيا، ضمن مسألة تأثير التكنولوجيا على الصحة النفسية.
لكلّ ألمٍ أمل!
ولكن في ظل هذا الانغلاق الإلكترونيّ، يبقى للأمل بقيّة، فلمحات من الحياة القديمة، مثل التواجد في الطبيعة واللّعب بحرية، قد تكون مفتاحاً لإحياء روح الطفولة المفقودة. علينا أن نتذكّر أنّ اللّحظات البسيطة والتفاعلات الحقيقيّة هي التي تغذّي قلوبنا وتعيد لنا الاتّصال بمشاعرنا البشريّة.
وفي النهاية، يجب علينا أن نتساءل: هل فعلًا يجب أن تأتي التكنولوجيا على حساب برودة مشاعرنا؟ أم يمكن لنا أن نجمع بين مزايا العالم الافتراضي وروعة العالم الواقعي؟ قرارنا يكمن فيما إذا كنا سنستمر في السّير على هذا المسار البارد، أم سنجد طرقاً جديدة لاستعادة دفء العلاقات وروح الاقتران دون أن نعلّق ذلك على شمّاعة تأثير التكنولوجيا على الصحة النفسية، ونأخذ منها ما يحسّن حياتنا ويجعلها أكثر سهولة لا أكثر بروداً وبعداً.