قصد رجلاً مدينة لندن بعد خمس سنوات من الغياب عنها، وحسب الرواية تفاجأ بأنّه لم يجد موظّفين في المصارف، بل مجرد آلات وحواسيب. ربما نشهد قصّة مماثلة خلال سنوات قليلة في العالم العربي، لكن الأمر بلا شك يستدعي عملاً دؤوبًا لتوفير خدمات مصرفيّة تواكب تطوّرات العصر وأدواته التقنية.
فلقد انتقلت البنوك وبشكلٍ سريع من الخدمات المصرفية التقليدية إلى الخدمات الإلكترونية المصرفية أو ما يطلق عليها مصطلح E-Banking لتواكب التطوّر التكنولوجي الذي يشهده العالم، وسرعان ما أصبحت هذه الخدمات من أهم أدوات المنافسة فيما بين البنوك التي تحرص على تقديم هذه الخدمات بطرق سهلة وآمنه تتيح للعميل استخدامها على مدار الساعة.
ظهرت الخدمات المصرفية الإلكترونية تاريخياً للمرة الأولى في بداية الثمانينات، ولم تكن عبر الإنترنت بصورتها الحالية، وإنما كان العملاء يستخدمون لوحة مفاتيح أو شاشة تلفاز للوصول لنظام المصرف عبر خط الهاتف، حيث يتم إرسال نغمات مشفرة عبر خط الهاتف مثل شفرة موريس تحمل إرشادات وتعليمات للمصرف، وأطلق عليها في ذاك الوقت الخدمات المصرفية المنزلية. وكانت التكنولوجيا المستخدمة في نقل البيانات هي فيديوتيكس، وهو عبارة عن صورة بدائية لنقل المعلومات عن بُعد، حيث تستخدم في توصيل النصوص للمستخدم في صورة تشبه الحاسب وتُعرّف عادة على شاشة التلفزيون. في عصرنا هذا تبلورت الخدمات المصرفية الإلكترونية وتطورت بوتيرة متسارعة، حيث تقدم البنوك مزايا مصرفية إلكترونية متعددة تشمل كافة خدماتها، ويمكن استخدامها على حاسوبنا أو على هاتفنا النقال بطريقة سريعة وروتينية للكثيرين منا.
تتيح الخدمات المصرفية الإلكترونية مزايا عديدة منها: خدمة الاستفسار عن الحساب؛ فيستطيع العميل الاطلاع على جميع المعلومات المتعلقة بحسابه الخاص مثل رصيد حسابه المصرفي والحصول على كشف لحسابه. وتتيح هذه الخدمات تحويل الأموال عبر الإنترنت من حساب العميل إلى حساب آخر محلياً ودولياً وتسديد فواتير بطاقة الإئتمان وأيّ فواتير أخرى وتعديل حد الصرف المسموح به على بطاقاته المصرفية وحساباته. ويمكن للعميل إدارة حسابه عبر تغيير جميع معلوماته الشخصية على الإنترنت وتغيير كلمة السر الخاصة به.
وعلى الرغم من أن أغلب البنوك توفّر حماية أمنيّة فائقة لخدماتها المصرفية، إلا أنها تبقى في دائرة الاستهداف من قبل المتلاعبين على الإنترنت الذين يحاولون استغلال كل الطرق الممكنة للاحتيال على العملاء. لذا ينبغي أن يتمتع المستخدم بالمعرفة الكافية وأن يتحلى بالحذر لكي يتجنب أي مخاطر مستقبلية، وذلك من خلال سلسة خطوات سهلة وعملية: تأمين وحماية هاتفه الذكي بالاعتماد على PIN code أو البصمة أو أي وسيلة حماية أخرى، وعدم الاعتماد على أية مصادر مجهولة وخارجية لتحميل التطبيقات البنكية، واعتماد الموقع الرسمي للبنك، وعدم الاحتفاظ باسم المستخدم وكلمة المرور الخاصة بالخدمات البنكية على الإنترنت أو داخل المحفظة الشخصية أو إلى جانب بطاقات الائتمان، واللجوء إلى تفعيل ميزة التحقق إن كانت متاحة من قبل البنك الذي تتعامل معه، فهي ستوفر الكثير من العناء والمتاعب.
استطاعت المصارف التي واكبت انتشار التقنيات في صفوف عملائها، وذلك حسب تحليلات «مجموعة بوسطن للاستشارات»، أن ترفع أعداد زبائنها بقرابة 14 في المئة في غضون سنتين، فيما بلغت النسبة 3 في المئة عند المؤسّسات التي أخفقت في تلك المواكبة. وفي المقابل، التحوّل نحو التقنيات الرقمية المتقدّمة يحتاج إلى ما يتراوح بين 5 و10 سنوات، ليصبح التغيير الشامل مكتملاً نحو مجتمع رقمي ندور في فلكه ونجهد لمواكبته في عالمنا العربي.
سوف تساعدنا أفكارك في تقديم أفضل خدمة.